الخميس، 12 نوفمبر 2015

الهجرة النبوية الشريفة بل التفاصيل






بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الهجرة، وكان الحديث عن مفهومات الهجرة:
الهجرة حركة، والهجرة ترك ما نهى الله عنه، والهجرة قائمة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة.
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[ رواه مسلم].
 وكان الحديث المطول حول قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾
( سورة النساء ).
 الآن ندخل في التفاصيل.
اختيار يثرب مكانا للهجرة
في هذا الدرس الثاني للهجرة، الآن لم يكن اختيار يثرب داراً للهجرة مما اقتضته الظروف ظروف الدعوة فقط، إنما كان ذلك بوحي من الله سبحانه وتعالى.
 التعليق: إن كل حدث وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان من قِبل العناية الإلهية مقصوداً لذاته، لأن السنة النبوية المطهرة هي أقواله، وأفعاله، وإقراره، أفعاله كما يقول بعض العلماء: أبلغ في الدالة على معرفته بالله، وفهمه لكلامه من أقواله، لماذا ؟ لأن القول يحتمل التأويل، بينما الفعل حدّي، إذاً كل أفعاله كانت تشريعاً، النبي وحده، ولا أحد سواه أقواله تشريع، وأفعاله تشريع، وسكوته تشريع، وصفاته تشريع.
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية: 7 ).
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾
( سورة النساء الآية: 80 ).
 ولأن أمر الله تعالى واضح جلي، قطعي الثبوت والدلالة في وجوب طاعة رسول الله، في أقواله، وأفعاله، وإقراره، إذاً ينبغي أن تكون أفعاله معصومة عن الخطأ لأنه مشرع.
رؤية النبي يثرب في المنام
 إذاً يجب أن نأخذ أحداث السيرة النبوية على أنها أحداث أرادها الله عز وجل لعبرة بالغةٍ بالغة ليقف النبي e منها الموقف الكامل، عندئذٍ يكون هذا الموقف تشريعاً، الله عز وجل هو الذي اختار يثرب، فقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ))
[البخاري عن عائشة]
(( إِنِّي أُرِيتُ ))
 ورؤيا الأنبياء حق، ورؤيا الأنبياء أمر.
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾
( سورة الصافات الآية: 102 ).
 رؤيا الأنبياء أمر، والله عز وجل هو الذي اختار يثرب لتكون داراً للهجرة، لذلك ورد في بعض الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مهاجراً، قال:
(( اللهم ! إنك أخرجتني من أحب البلاد إلي فأسكني أحب البلاد إليك ))
[ رواه الحاكم عن أبي هريرة ]
 فكانت المدينة المنورة، لذلك الذين يزرون مكة والمدينة يؤكدون أن الجو العام في مكة جو إجلال، بينما الجو العام في المدينة جو جمال، روحانية النبي مهيمنة على هذه المدينة النبوية، إذاً: 
(( إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ))
وفي حديث آخر:
(( رأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ، أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِب ))
[ البخاري عن أبي موسى]
من أسباب الهجرة
 إنّ أسباب الهجرة لا تخفى على أحد، حيث كان الابتلاء والاضطهاد سبب هجرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله إلى المدينة التي اختارها الله، والحقيقة أن المدينة وظيفتها الأولى في الهجرة تأمين ملاذ آمن للدعوة، لذلك المكان أو أيّ مكان يحول بينك وبين عبادة الله ينبغي أن تغادره، لأن علة وجودك أن تعبد الله، وإذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ))
[ متفق عليه عن ابن عباس].
 أي أن باب الهجرة أغلق بين مكة والمدينة بعد الفتح، لكن الحقيقة أن الهجرة قائمة ومفتحة أبوابها على مصاريعها بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة.
 وقد بينت في درس سابق أن الإنسان إذا كان ضعيفاً ضعف قمع على أن يعبد الله ينبغي أن يهاجر، وإن كان ضعيفاً ضعف غلبة على أن يعبد الله فينبغي أن يهاجر، إما أن يضعف أمام قوى الشر، وإما أن يضعف أمام الشهوات، إذاً سبب الهجرة توفير مكان آمن للدعوة، ولعبادة الله جل جلاله هدف الهجرة، والسبب اضطهاد المؤمنين والصحابة الكرام في مكة.
 كان المؤمنون قبل الهجرة يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى، وبالمناسبة السفر مشروع لأهداف متعددة، يقع في أعلاها الجهاد في سبيل الله، وبعد الجهاد يقع الفرار بالدين، وبعد الفرار في الدين يقع الدعوة إلى الله، ثم يقع التماس الرزق، فبين أن يهاجر المرء أو أن يسافر ليجاهد في سبيل الله، أو ليفر في دينه، أو ليطلب العلم، أو ليتمس الرزق، هذه الأهداف المشروعة التي وردت في هذا الدين العظيم.
 أما الآن فهناك سياحة، وسفر من أجل ارتكاب الموبقات، وهناك سفر من أجل انتهاك المحرمات، وسفر هدفه الفاحشة، فكان السفر الذي يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين أن يسافر المسلم ليجاهد، يسافر ليفر بدينه، يسافر لطلب العلم، يسافر ليلتمس الرزق، الآن يسافر ليزداد بعداً عن الله، يسافر ليقترف الفواحش والآثام.
 الأمور أيها الإخوة بمقاصدها، أن تقيم الأمر بمقصده، فأي سفر كان من أجل التحلل من منهج الله عز وجل هو سفر لا يرضي الله، وفي بعض البلاد التي تأمر رعاياها ببعض أحكام الدين كالحجاب مثلاً تجد منظراً عجيباً في المطارات، أن المرأة التي كانت قبل قليل محجبة ما إن دخلت إلى الطائرة حتى خلعت حجابها، وظهرت بأبهى زينتها، وكان تعليق بعض المراقبين بهذه الظاهرة غير المقبولة أن هذا الدين الذي يعتنقه إنسان في مكان، ويتفلت منه في مكان، هو دين جغرافي.
كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى، لأن قريشاً يضطهد من يتبع الرسول لكن ثمة سؤال أتمنى أن نقف عنده وقفة متأنية:
ما الحكمة من كون الرسول ضعيفا ؟
 ما الحكمة أن يكون الرسول ضعيفاً ؟ الدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما مر بعمار بن ياسر يعذب لم يستطع تخليصه، فما كان منه إلا أن قال:
(( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
[السيرة النبوية بسند صحيح]
 لماذا كان النبي ضعيفاً ؟ أو ما الحكمة أن الله شاءت إرادته أن يكون النبي ضعيفاً.
(( لاَ أَملِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّا وَلاَ نَفْعاً ))
[ الترمذي عَن أَبي هُرَيْرَةَ ].
 بل:
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
( سورة الأعراف الآية: 188 ).
 لماذا ؟ لأنه لو كان قوياً كأقوياء هذا العصر، وجاء بهذه الرسالة لآمن به الملايين المملينة، لا عن قناعة، ولا عن إيمان، ولا عن عبادة، ولكن آمنوا خوفاً منه، وهذا الإيمان لا قيمة له عند الله إطلاقاً، لذلك كانت حكمة الله عز وجل أن يجعل سيد الخلق ضعيفاً، لا يملك لا لهم ولا لنفسه نفعاً ولا ضرا، ليكون الإيمان برسول الله إيماناً حقيقياً ، لكن بعد حين الله جل جلاله يتفضل عليه بالقوة.
أحوال المؤمن مع الله تعالى
 بالمناسبة، كل مؤمن له مع الله أحوال ثلاثة، وهذا الكلام ينطبق على كل مؤمن:
الحال الأول: حال التأديب، إذا كان هناك مخالفات.
الحال الثاني: حال الابتلاء وهو مستقيم.
الحال الثالث: حالم التكريم.
 أنت بين التأديب، والابتلاء، والتكريم، وقد تكون هذه الأحوال الثلاثة متداخلة، وقد تكون متمايزة، مرحلة تأديب، ومرحلة ابتلاء، ومرحلة تكريم، أو في اليوم الواحد تكون معاملة من الله أساسها التأديب، ومعاملة أخرى أساسها الابتلاء ومعاملة ثالثة أساسها التكريم.
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
( سورة العنكبوت ).
 هل تعتقدون أن الإنسان بإمكانه أن يقول: أنا مؤمن، دون أن يمتحن، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون ).
 الله عز وجل قادر أن يحجم كل إنسان، أو أن يعيده إلى حجمه الطبيعي، قل ما شئت، لكن الله يسوق لهذا الإنسان بحكمة بالغة ظروفاً تكشفه على حقيقته، لذلك الله جل جلاله لا تخفى عليه خافية.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
( سورة غافر ).
علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 كان المؤمنون قبل الهجرة بين أي يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى مخافة أن يُفتتن، وكان من هو مفتون بدينه، وكان من هو معذب في أيديهم، وكان من هو هارب إلى بلاد أخرى، فهم بين معذب، ومفتون، وهارب، ومضطهد، وفارّ بدينه.
(( ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، ألا إن سلعة الله الجنة ))
[ رواه الترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ].
الحكمة من الأمر بالصبر في مكة وعدم القتال
 إن جنة عرضها السماوات والأرض لا تأتي بركعتين وليرتين، بل تحتاج إلى جهد كبير، ومن طلب الجنة بغير عمل فطلبه ذنب من الذنوب، يقول حَبر الأمة عبد الله بن عباس: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( فيقول لهم اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال ))
[ ورد في الأثر]
 هناك توجيه إلهي هو في الحقيقة تشريع، وهو أنّ الله عز وجل لا يقبل بالتعبير المعاصر حرباً أهلية.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾
( سورة النساء الآية: 77 ).
 هذه الآية في مكة، البيت الواحد فيه مؤمن وفيه مشرك، فلو سمح بالقتال في مكة لكانت هذه الحرب حرباً أهلية، ولأحرقت الأخضر واليابس، وقد قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 65 ).
بل إن الثالثة هي أصعب ما في الحياة الدنيا.
 شيء آخر، الدعوة لا تنمو إلا بالسلام، فلما انتقل الصحابة الكرام إلى المدينة حيث الأمن والسلام والهدوء نمت قدراتهم، وازداد نشاطاتهم، وأقبلوا على ربهم، هذا شأن الإنسان، أؤكد لكم هذا المعنى مرة ثانية: أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾
( سورة الفتح ).
 متى كان هذا الفتح ؟ كان هذا الفتح في صلح الحديبية، وكانت مناسبة هذا الفتح للسلام، و الأمن، والاستقرار، هذا ما ينقص المسلمين اليوم، فقد تهاونوا سابقاً وقصروا، ولم يعدوا العدة لأعدائهم، فتفنن أعداؤهم في إرهابهم، وفي تخويفهم، وفي تهديدهم، وفي الضغط عليهم، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 ).
 إذاً أنت حينما تعد العدة تحقق هدفاً لا يكون إلا بها، أنك ترهب أعداءك، وكم من دولة قوية عندها أسلحة قوية لا تحتاج أن تستخدمها إطلاقاً، لكن وجود السلاح يلقي الرعب في قلوب الأعداء، والذي يحصل الآن من تدنيس للمصحف، ومن تشويه لمكانة النبي عليه الصلاة والسلام هو بسبب ضعف المسلمين، هذا الذي يحدث تحصيل حاصل، لذلك المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، يقول عليه الصلاة والسلام: 
(( فيقول لهم اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال ))
لمّا هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستقر المسلمون، وكان لهم كيان، وقيادة، وأتباع، عندئذٍ نزل قوله تعالى:
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾
( سورة الحج ).
من أوائل من هاجر من الرجل والنساء
 وهذه أول آيات القتال، الآن أول المهاجرين، كلن مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم، أول من هاجر إلى المدينة، وكانا يقرآني الناس القرآن كما ورد في آثار السيرة النبوية، في حين وردت روايات أخرى تفيد أن أول من هاجر هو أبو سلمة بن عبد الأسد، وذلك بعد أن آذته قريش على أثر رجوعه من هجرته إلى الحبشة، فتوجه إلى يثرب قبل بيعة العقبة بسنة واحدة، على أنه يمكن الجمع بين الخبرين في أن هذا الصحابي أبو سلمة وصل إلى المدينة، لا هجرة، ولكن فراراً بدينه، وكانت قبل بيعة العقبة، وكأن الذي أشار إلى أن أول من هاجر هو مصعب بن عمير أراد هذا الإنسان الكريم لأنه هاجر هجرة بأمر النبي بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، وقد بينت أحداث السيرة والمصادر المعتمدة الكثيرة، من أساليب قريش في محاولتها عرقلة هجرة المسلمين إلى يثرب، وإثارتها للمشكلات في وجه المهاجرين، كالإرهاب مثلاً، وحجز الزوجات، والأطفال، وسلب الأموال، أو الاحتيال لإعادة من هاجر منهم، لأن هؤلاء المسلمين إن لم يهاجروا هم في قبضتها، وتحت سيطرتها، فإذا هاجروا تفلتوا من قبضتها، ونجوا من سيطرتها، لذلك كانت قريش تمنع الهجرة، إما بسلب الأموال، أو بحجز الزوجات، أو بالتهديد، أو بالوعيد.
لكن الصحابة الكرام كانوا على استعداد لا حدود له ليفتدوا أنفسهم بكل ما يملكون.
 إنّ أم سلمة رضي الله عنها لها قصة عجيبة، تأتي في سير الصحابة، وكيف كانت مع زوجها الأول، وكيف أن قريشاً انتزعتها وطفلها من زوجها، وكيف أن رحلة العذاب قد استمرت قرابة سنة، قبل أن يتاح لها أن تسترجع ابنها، وأن تلحق بزوجها، زوجها هاجر، وقد أخذوها وكانت برفقته، ومنعوها أن تهاجر، وأخذوا ابنها رهينة، ومضى عام حتى استطاعت أن تصل إلى المدينة، وأن تأتي بولدها إليها.
الحقيقة أن لقصة أم سلمة تفاصيل مذهلة، كما قال عليه الصلاة والسلام.
(( فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا ))
[ رواه البخاري عن أبي هريرة ].
 لم يكن مسلماً عثمان بن طلحة، فرقّ لها، رقّ لامرأة زوجها في المدينة، وهي محجوزة في مكة، هي مؤمنة، وقومها ليسوا مؤمنين، فما كان منه إلا أن اصطحبها مع طفلها قرابة أسبوعين من مكة إلى المدينة على ناقة لها، وناقة له، ولم ينظر إليها، هذا قبل أن يسلم، كان إذا أراد أن يريحها ينيخ ناقتها، ويبتعد كثيراً، ثم حين يزمع أن يتابع السير، يوقظ الناقة يدعوها إلى أن تركب الناقة، ويلتفت إلى جهة أخرى، ثم ينطلق بهذه الناقة، وكان مشركاً قبل أن يسلم، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى إنساناً دخل في الإسلام يقول له يا فلان:
(( أسلمت على ما أسلفت من خير ))
[ رواه أحمد في مسنده عن حكيم بن حزام وهو متفق عليه ].
 وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا ))
وكتعقيب على هذه الحقيقة: إن الله عز وجل يتولى الصالحين، فأيّ إنسان صالح ولو لم يكن يعرف الله عز وجل ما دام صالحاً يتولاه، ويأخذ بيده إلى الإيمان.
 إن صهيب الرومي منعه زعماء قريش من الهجرة بحجة أنه كان قد أتى إلى مكة فقيراً، فقالوا له: فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون هذا أبداً، ليس هناك هجرة، جئتنا فقيراً، واغتنيت بين أظهرنا، الآن تريد أن تخرج مع المال، لن نسمح لك بذلك، ما فعل صهيب ؟ عرض عليهم أن يجعل لهم المال كله في مقابل أن يخلوا سبيله، عندئذٍ وافقوا على ذلك، وبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
(( ربح صهيب، ربح صهيب، ربح صهيب ))
إذا دفعت كل مالك، واستطعت أن تؤمن، وأن تنجو فأنت الرابح الأول، من هنا قيل: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح.
 يروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر هجرته، حيث تواعد مع عياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص السهمي على الالتقاء في مكان بعيد عن مكة، وكيف أن هشام بن العاص قد حبس عنهما، وفتن، فافتتن، ثم تحدث عن خبر وصولهما إلى ظاهر المدينة ونزولهما في بني عمر بن عوف، وخروج أبي جهل بن هشام وأخيه الحارث إلى عياش بن أبي ربيعة، وإقناع إياه بضرورة العودة إلى مكة ليبر بقسم أمه التي نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراه، وكيف حذره عمر منهما، وقوله له: يا عياش، << إنك والله إن يريد القوم إلا ليفتونك عن دينك، فاحذرهم >>.
 إذاً أُخِذ مال مسلم كله، وحُجِزتْ زوجة آخر وطفله كرهينة، ومنعوا الثالث بالقوة أن يهاجر، وفي بعض الطريق أوثقاه، وربطاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن، يقول سيدنا عمر: كنا نقول: ما والله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر ببلاء أصابهم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالى فيهم.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾
( سورة الزمر ).
 أيها الإخوة، المتاعب التي تحملها أصحاب رسول الله أكبر من أن توصف حتى وصل الدين إلينا، وقدم إلينا على طبق من ذهب، ماذا يطلب من المؤمنين اليوم ؟ يطلب الحفاظ على دينهم ، وأداء العبادات، وفعل الخيرات، أما الصحابة الكرام فتنوا، وقتّل بعضهم، وحبسوا، وأخذت أموالهم، وحجزت عنهم زوجاتهم، وكانوا أبطالاً بحق، بل إن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا نخبة، كان عليه الصلاة والسلام كان يقول:
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابا ))
[ الجامع الصغير عن أنس بسند فيه ضعف]
لزوم الجماعة والتحذير من الفرقة
 ومن أعظم نعمة ينعم الله بها عليك أن يكون الذين حولك على شاكلتك، ومن تكريم الله للإنسان أن يحاط بمن هو على شاكلته، يقدرهم ويقدروه، ويحبهم ويحبوه، ويعينهم ويعينوه، لذلك قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
( سورة التوبة ).
 أي أنكم لا تستطيعون أن تتقوا ربكم إلا إذا كنتم مع المؤمنين، مع الصادقين ، والحمية عن أهل الشرك والكفر ضرورية، لكن البعد عن أهل الصلاح والتقوى خطأ كبير.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
( سورة الكهف ).
(( وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))
[ رواه أحمد عن النعمان بن بشير بسند حسن]
 وإن الله مع الجماعة، ويد الله مع الجماعة.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ ))
[رواه الترمذي]
(( فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))
[ أحمد]
 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ ))
[ أحمد]
 أيها الإخوة الكرام، تآمرت قريش على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن علم المشركون بما تم بين النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار في العقبة الثانية، ورأوا المسلمين يهاجرون إلى يثرب جماعات وأفرادا، وقد أرّخ الزهري لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: 
 " مكث عليه الصلاة والسلام بعد الحج بقية ذي الحجة، ومحرم، وصفر، ثم إن المشركين اجتمعوا يعني على قتله، وقد تواترت الأخبار بأن خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة كان يوم الاثنين، وكان دخوله المدينة يوم الاثنين أيضاً، وحادثة تآمر قريش على قتل النبي نأخذها بالتفصيل إن شاء الله في درس قادم.
والحمد لله رب العالمين

الهجرة النبوية الشريفة

الهجرة النبوية الشريفة
18/11/2012
اسلام ويب
لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثا تاريخيا عظيما، ولم تكنْ كأيِّ حدث، فقد كانت فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية..










لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثا تاريخيا عظيما، ولم تكنْ كأيِّ حدث، فقد كانت فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وإذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها والقائمين بها والمكان الذي وقعت فيه، فقد كان القائم بالحدث هو أشرف وأعظم الخلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا أشرف مكانا وأعظم من مكة والمدينة، وقد غيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طياتها معاني التضحية والصحبة، والصَّبر والنصر، والتوكل والإخاء، وجعلها الله طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، قال الله تعالى: { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(التوبة:40) .

من الدار إلى الغار :
لم تكن قريش تعلم أن الله أذن لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى المدينة، وبينما هم يحيكون مؤامرتهم كان النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قد غادر بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر السنة الرابعة عشر من النبوة وأتى إلى دار أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في وقت الظهيرة متخفّياً على غير عادته، ليخبره بأمر الخروج والهجرة، وخشي أبو بكر أن يُحرم شرف صحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاستأذن في صحبته فأذن له، وكان قد جهّز راحلتين استعداداً للهجرة، واستأجر رجلاً مشركاً من بني الديل يُقال له عبد الله بن أُريقط خرّيتا( ماهرا وعارفا بالطريق)، ودفع إليه الراحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، في حين قامت عائشة وأختها أسماء ـ رضي الله عنهما ـ بتجهيز المتاع والمؤن، وشقّت أسماء نطاقها نصفين لوضع الطعام فيه، فسمّيت من يومها بذات النطاقين، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بأن يتخلّف عن السفر ليؤدي عنه ودائع الناس وأماناتهم، وأن يلبس بردته ويبيت في فراشه تلك الليلة . 

ثم غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ من باب خلفي، ليخرجا من مكة قبل أن يطلع الفجر. ولما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وقام كل من عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة وأسماء بنت أبي بكر بدوره .

لا تحزن إن الله معنا :
انطلق المشركون في آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه، يرصدون الطرق، ويفتشون في جبال مكة، حتى وصلوا غار ثور، وأنصت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه إلى أقدام المشركين وكلامهم . 
يقول أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : ( قلت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا في الغار : لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) رواه البخاري . 
ومكث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى انقطع عنهم الطلب، ثم خرجا من الغار ليلة غرة ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من النبوة، وانطلق معهما عبد الله بن أريقط (الدليل) وعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما فكانوا ثلاثة والدليل .

وعلى الجانب الآخر لم يهدأ كفار قريش في البحث وتحفيز أهل مكّة للقبض على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه أو قتلهما، ورصدوا مكافأة لمن ينجح في ذلك مائة ناقة، وقد استطاع أحد المشركين أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعيد، فانطلق مسرعاً إلىسراقة بن مالك وقال له : يا سراقة، إني قد رأيت أناساً بالساحل، وإني لأظنّهم محمداً وأصحابه، فعرف سراقة أنهم هُم، فأخذ فرسه ورمحه وانطلق مسرعاً، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى سقط، وعاد مرة أخرى وامتطى فرسه وانطلق فسقط مرة ثانيةً، لكن رغبته في الفوز بالجائزة أنسته مخاوفه، فحاول مرة أخرى فغاصت قدما فرسه في الأرض إلى الركبتين، فعلم أنهم محفوظون بحفظ الله، فطلب منهم الأمان وعاهدهم أن يخفي عنهم، وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب أمان ووعده بسواريْ كسرى، وأوفى سراقة بوعده فكان لا يلقى أحداً يبحث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أمره بالرجوع، وكتم خبرهم .

وفي طريقهم إلى المدينة نزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه بخيمة أم معبد،فسألاها إن كان عندها شيء من طعامٍ ونحوه، فاعتذرت بعدم وجود شيء سوى شاة هزيلة لا تدرّ اللبن، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم -الشاة فمسح ضرعها بيده ودعا الله أن يبارك فيها، ثم حلب في إناء وشرب منه الجميع ..
وانتهت هذه الرحلة والهجرة المباركة بما فيها من مصاعب وأحداثٍ، ليصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض المدينة المنورة .

لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة لبناء دولة الإسلام, وإعزازاً لدين الله تعالى, وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين، ولذا فإن دروس الهجرة الشريفة مستمرة لا تنتهي ولا ينقطع أثرها, وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، ومن هذه الدروس :

دور المرأة في الهجرة :
لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير: منها عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهما ـ ، التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة، وأختها أسماء ذات النطاقين، التي ساهمت في تموين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله، كما روى ابن إسحاق وابن كثير في السيرة النبوية أنها قالت: " لما خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر - رضي الله عنه - أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟، قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا " .
فهذا درس من أسماء ـ رضي الله عنها ـ تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين عن الأعداء، وكيف تقف صامدة أمام قوى البغي والظلم .

الصراع بين الحق والباطل :
صراع قديم وممتد، وهو سنة إلهية قال الله: { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: 40)، ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة كما قال تعالى: { كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(المجادلة: 21) . ومكر وكيد أعداء الإسلام بالدعاة والدعوة إلى الله ـ في كل زمان ومكان ـ أمر مستمر ومتكرر، فعلى الداعية إلى الله أن يلجأ إلى ربه، وأن يثق به، ويتوكل عليه، ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، كما قال ـ عز وجل ـ: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(الأنفال: 30) .

التوكل واليقين :
إن المتأمل لحادثة الهجرة والتخطيط لها ، يدرك حسن توكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ربه، ويقينه أن الله حافظه وناصر دينه، وهذا التوكل لا ينافي أو يتعارض مع الأخذ بالأسباب فقد شاء الله تعالى أن تكون الهجرة النبوية بأسباب عادية من التخفي والصحبة والزاد والناقة والدليل، ولكن لا يعني دقة الأخذ بالأسباب حصول النتيجة دائما، لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله ومشيئته، ومن هنا كان التوكل واليقين والاستعانة بالله، لتقتدي به أمته في التوكل على الله ، والأخذ بالأسباب وإعداد العدة . 
يقول أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : ( نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه؟! ، فقال : ياأبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) رواه مسلم . يقول النووي : " وفيه بيان عظيم توكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى في هذا المقام ، وفيه فضيلة لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وهي من أجَّل مناقبه " .

معجزات على طريق الهجرة :
في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت معجزات حسية، هي من أعلام نبوته، ودلائل ملموسة على فضله ومنزلته، وحفظ الله ورعايته له، ومن ذلك ما جرى له - صلى الله عليه وسلم - مع أم معبد، وما حدث مع سراقة بن مالك ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى، فعلى الدعاة أن لا يتنصلوا من ذكر هذه المعجزات وغيرها ما دامت ثابتة بالسنة الصحيحة ..

أم معبد :
عن قيس بن النعمان ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما انطلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـوأبو بكر مستخفيان ، نزلا بأبي معبد فقال : والله ما لنا شاة وإن شاءنا لحوامل، فما بقي لنا لبن، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - أحسبه -: فما تلك الشاة؟، فأتى بها، فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبركة عليها ثم حلب عُسا (قدحا كبيرا) فسقاه ثم شربوا ، فقال : أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ ؟!، قال: إنهم يقولون، قال : أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك ؟، قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا، فاتبعه بعد ) رواه البزار. وكانت هذه المعجزة سبباً في إسلام أم معبد هي وزوجها .

سُراقة بن مالك :
يصف أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ما حدث مع سراقة فيقول : ( فارتحلنا بعد ما مالت الشمس وأتبعنا سراقة بن مالك، فقلت : أُتينا يا رسول الله ، فقال : لا تحزن إن الله معنا ، فدعا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فارتطمت به فرسه إلى بطنها ، فقال : إني أراكما قد دعوتما عليَّ ، فادعوَا لي ، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ، فدعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنجا ، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال : كفيتكم ما هنا ، فلا يلقى أحدا إلا رده ، قال: ووفَّى لنا ) رواه البخاري . 
قال أنس : " فكان (سراقة) أول النهار جاهدا (مبالغا في البحث والأذى)على نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له (حارسا له بسلاحه) ". 
ومرت الأيام وأسلم سراقة بعد فتح مكّة وحنين، وفتحت بلاد فارس وجاءت الغنائم في عهدعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ، فأعطاه عمر سواري كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال الله تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }(النَّجم: 3، 4) .
قال الماوردي : " فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتم حَنَقٍ عليه، وأشدُّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزراً، وترتد عنه أيديهم ذعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(المائدة: من الآية67) فعَصَمَه منهم "..

لقد تركت الهجرة النبوية المباركة آثارا جليلة على المسلمين، ليس فقط في عصر النبوة، ولكنها امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل عصر ومصر، كما أن آثارها شملت الإنسانية عامةً، لأن الحضارة الإسلامية التي قامت قدمت ولا زالت تقدم للبشرية أسمى القواعد الأخلاقية والتشريعية التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، فسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تُحَّد آثارها بحدود الزمان والمكان، لأنها سيرة القدوة الطيبة والأسوة الحسنة، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) .. 

تحميل البرنامج الدينى من سيربح المليون حسنة بديل لعبة من سيربح المليون يعمل على Android و IOS

لعبة من سيربح مليون حسنة - بديل لعبة من سيربح المليون - لعبة دينية - العاب تعليم الكبار والصغار - لعبة لتعليم الاطفال الاسلام من على الموبيل - تحميل لعبة أسئلة إسلامية المليون حسنة - اسئلة اسلامية للوصول الى مليون حسنة 





أسئلة إسلامية المليون حسنة - screenshot thumbnailأسئلة إسلامية المليون حسنة - screenshot thumbnailأسئلة إسلامية المليون حسنة - screenshot thumbnailأسئلة إسلامية المليون حسنة - screenshot thumbnailأسئلة إسلامية المليون حسنة - screenshot thumbnail



وصف البرنامج
يقوم البرنامج بتحديث معلوماتك الدينية ويضيف الى معلوماتك الثقافية يقوم البرنامج ايضا بطرح الاسئلة الدينية  عليك لكى تختبر معلوماتك الاسلامية واذا لم تعرف الاجابة يمكنة البرنامج الاجابة على السوال بدلاُ منك مما يجعلك ملم بمعلومات دينية جديدة لم تعرفها من قبل وبة بعض المميزات الاخرى مثل الأتى :- 
- زيادة المعلومات الدينية عند الفرد .
- سهولة الاستخدام مع الاخرين .
- به عدة مراحل واسئلة صعبة .
- قاموس دينى متكامل .
- خلق فرص التنافس لربح مليون حسنة بين الاصدقاء .
- تعليم الدين من خلال الموبيل .
- كمية معلومات دينية مفيدة لكل مسلم .
- البرنامج يعمل دون الاتصال بالانترنت .


https://play.google.com/store/apps/details?id=com.adhapps.QesasElanbiaa

Android   :   IOS


تحميل المصحف الشريف كامل تلاوة القرآن الكريم صوت وصورة لجميع القراء مجانا


تحميل المصحف الشريف كامل تلاوة القرآن الكريم صوت وصورة لجميع القراء مجانا
تحميل المصحف الشريف كامل تلاوة القرآن الكريم صوت وصورة لجميع القراء مجانا

الكل منا عندما يستمع للقرآن الكريم يشعر بالطمأنينة و الهدوء و النفس الطيبة و يرتاح نفسيا لهذه القراءة التي تشعر بها بالراحة , ولكن عندما يريد ان ينزل القرآن الكريم المصحف بالكامل على الجهاز يجد صعوبة في كيفية تنزيلها و ذلك لحجمها الكبير جدا , فاليوم مع برنامج المصحف الإلكتروني للكمبيوتر صوت وصورة لجميع القراء مجانا , سوف تتمكن من الاستماع لكافة اصوات القراء من ضمنهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد , و الشيخ احمد العجمي , و الشيخ فارس عباد , والشيخ محمد البراك و غيرهم من الشيوخ , فهذا البرنامج يحتوي ايضا على تفسير الآيات الكريمة و يتضمن البرنامج ترجمة المصحف للغة الانجليزية و الفرنسية .
كما ان برنامج المصحف الإلكتروني للكمبيوتر صوت وصورة لجميع القراء مجانا يوجد به اعراب القرآن الكريم كاملاً , و من مميزات هذا البرنامج سوف تتمكن من تلاوة القرآن الكريم بطريقة صحيحة جداً دون أي خطأ و معرفة تفسير الآيات كاملاُ فهذا البرنامج يقوم على اعادة تلاوة الآيات تكرارا وذلك من اجل ان تقوم انت بحفظها , كما ان البرنامج يوجد به قسم للتلاوة و التجويد و الذي من خلاله سوف تتعرف على كافة احكام التجويد و القراءة و غيرها , فهذا البرنامج الناري و الجديد من نوعه هو من اروع برامج القرآن الكريم و التلاوة .
برنامج المصحف الإلكتروني للكمبيوتر صوت وصورة لجميع القراء مجانا ميسرة حسب صفحات المصحف الشريف , كما ضمن تفسير الآيات و شرحها يوجد سبب نزول كل آية و على من نزلت فهذا البرنامج يتمتع بأنه منظم و مرتب بشكل رهيب و تسلسلي جدا , فهذا البرنامج يستخدمه الكثير كمرجع له و ذلك من اجل حفظ المصحف و معرفة التفاسير و معرفة اعراب الكلمات و غيرها من الامور , كما ان البرنامج يفسر المصحف بعدة تفاسير و سند , فهذا البرنامج يتوفر على الكثير من الاجهزة , قم انت الان بتحميله و نشره لكي تعم الفائدة عليك و على الآخرين , فهذا البرنامج يتوفر به ايضا معجم من اجل معرفة معاني الكلمات التي تريد معناها , هذا البرنامج مجاني و معروف لدى الجميع و يعمل على كافة اجهزة الكمبيوتر كما ان البرنامج الان تم تطوير منه نسخة و اصدار يعمل على الهواتف المحمولة بكل سهولة 



جميع الحقوق محفوظة @ 2013 الاسلام ديني.

Designed by Templateism